في بيت الجدة تجلس سلمى ذات الست سنوات تشاهد التلفاز، وحين تطلب منها الجدة تغيير المحطة لمتابعة برنامجها المفضل؛ تتذمر الصغيرة رافضة تغيير المحطة، فتتدخل الأم: “انت بنت مش مؤدبة، مينفعش تردي على جدتك.” تبكي سلمى معلنة أنها تريد استكمال الحلقة، فتجذبها الأم بحدة، وتصفعها على ظهرها، بينما يعلوا صوتها أكثر: “قلت لك مترديش على حد كبير.” تبكي سلمى وتترك الغرفة، بينما تغير الأم المحطة لتشاهد الجدة برنامجها المفضل
.

عندما يقوم البعض بتصرفات تضايقنا، علينا أن نعي أهدافهم، وما الذي جعلهم يسلكون هذا المسلك؟ البنت الصغيرة هنا تسعى لفرض سيطرتها وإثبات وجودها وإشباع رغباتها وحاجاتها، وهذا من حقها.

والأم تسعى ايضاً لفرض سيطرتها واثبات وجودها وتعليم إبنتها على إحترام الكبير. كما أنها أيضاً تريد إرضاء الجدة. فهل الضرب وسيلة إيجابية لإشباع حاجات البنت، وتربيتها وتعليمها في نفس الوقت؟ هل الضرب وسيلة لتعليم البنت إحترام الكبير؟

لماذا يلجأ البعض إلى الضرب؟

ربما لا يدرك الكثير منا الأثر النفسي للضرب على الطفل.

إن العقاب البدني قد يعطي نتيجة سريعة؛ فيستجيب الطفل لأنه لا يريد المزيد من الإيذاء، ولكن قد يزداد السلوك في الخفاء بعيداً عن أعين الكبار. الضرب قد يشعر الأم أنها هي المسيطرة، ولكن على المدى البعيد هل ستستطيع السيطرة على إبنتها، أم أن الإبنه ستتعلم أن تفعل ما تريد بعيداً عن أعين والدتها؟

البعض منا لا يعرف بديلا عن الضرب، فهكذا تربى؛ ولذا يعيد الكرة مرة اخرى بغض النظر عن سلبيات هذه الوسيلة.

ما الذي يتعلمه الطفل حين يضرب؟

• الشعور بالقهر:
عندما يضرب الطفل يشعر بالقهر. ذلك الشعور الأليم بالعجز؛ لعدم القدرة على رد الإساءة بمثلها.


• منطق القوة:
يتعلم الطفل أن منطق القوة هو السائد، والذي يجب أن يسود؛ ولذا تجده يضرب مَنْ هو اصغر منه سناً أو أضعف منه قوةً أو أقل منه جسماً.


• العنف:
يتعلم الطفل أن العنف مقبول، فلو لم يكن مقبولاً؛ لَمَا إستخدمه أبوه ولَمَا لجأت إليه أمه عند الغضب.

• لا للحوار:

يتعلم الطفل ألا يلجأ للمنطق وللحوار لحل مشاكله، وأن يلجأ للعنف كوسيلة لفرض سيطرته ورأيه على من هم أضعف منه.

• الرغبة في الإنتقام:
يتعلم الطفل ألا يفكر بشكل منطقي عما أحدث، وينصب تفكيره حول الانتقام من الشخص الذي أصابه بالأذى. فبدلا من أن يُجْدي الضرب، نجد السلوك السلبي يزداد ولكن بحذر.. فيتعلم الطفل أن يسلك السلوك نفسه ولكن في غياب الأب او الأم كي لا يُعاقب.. وبالتالي يفلت من العقاب، وتَضعُف المراقبة الداخلية.

ماذا لو؟
ماذا لو سألت الأم سلمى: “انت عايزة تتفرجي على الحلقة دي؟ طيب ممكن ندي دور لتيتة وبعدين تجيبي برامج الاطفال تاني؟

ماذا لو تم الإتفاق على أن تقوم سلمى بتغيير المحطة بدلاً من الجدة؟

ماذا لو استأذنت الأم من سلمى قبل تغيير المحطة؟

ماذا لو اقترحت الأم على سلمى أن تحضر دميتها الصغيرة ليلعبا سوياً وليتركا الجدة تشاهد ما تريد؟

لو نظرنا لبعض هذه المقترحات سنجد أن كثيراً منها يلبي حاجة سلمى في السيطرة على حياتها، كما يرضى الأم التي أعطت للجدة ما تريد. والأهم.. نجد أن هذه المقترحات البسيطة علمت الطفلة أن الخلافات يمكن أن تحل بالحوار والمنطق، مع مراعاة إحترام رغبة الجدة.

قد لا تستجيب سلمى بسهولة، وقد يستغرق إقناعها عدة دقائق، ولكن لن نخسر العلاقة بين الام والطفلة.. إن التربية مسئولية على عاتق كل أب وأم ومعلم، وعلينا ان نبتكر من الوسائل ما يمكننا من التعامل بإيجابية مع أطفالنا؛ حتى نراهم كما نود لهم ان يكونوا!

كتبت بواسطة : هند الطناملى حصلت على ماجستير التعليم فى مجال الأسر والتربية من جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية عام
2011.
نقلاً عن : مجلة عالم الأم و الطفل .
 

 

 

مقالات مرتبطة
تعليقات
Copyright ©. All rights reserved. MadaresEgypt.com 2020